الموقع الرسمي للزاوية الريسونية
الزاوية الريسونية أسست في أثناء معركة وادي المخازن الشهيرة التي وقعت في 1578 ميلادية على يد سيدي امحمد بن علي بن ريسون المتوفى عام 1609 بإذن شيخه مولاي عبد الله بن الحسين الأمغاري دفين قرية تامصلوحت ضواحي مراكش. ومنهاجها يعتمد على الكتاب والسنة النبوية وعلى عمل الصحابة والسيرة العطرة للصالحين، أما من حيث منهاجها العقدي فهو مرتبط مع مذهب أهل السنة والجماعة على طريقة الإمام الأشعري رضي الله عنه وهو ما كان عليه السلف ببلادنا المغربية. يبقى الجانب الدعوي الذي نقوم به بالعلم والموعظة الحسنة من غير إفراط ولا تفريط كما تقتضيه الوسطية والاعتدال.

حوار مع الشيخ علي الريسوني حول سيرته العلمية

0

الأستاذ علي الريسوني يروي لـ”التجديد”..قصة إجهاض محاولة تشكيل جبهة إسلامية في المغرب

انبثق وعيه الديني والسياسي في مقر الزاوية الريسونية بشفشاون، وأسس أول جمعية قانونية سماها الشبيبة الإسلامية، وتأثر بالدعوة الهلالية الثانية، فغير اسم جمعيته وأهدافها، فكانت جمعية أنصار السنة المحمدية، ولما توفي الجنرال فرانكو، وأبيحت في إسبانيا حرية الأديان، تحولت جمعيته إلى الضفة الأخرى، فصار تخصصها هو مسلمي الأندلس ودعوة الإسبان إلى الإسلام. توسط بين عبد الإله بن كيران وعبد السلام ياسين لتبديد الشنآن الذي كان بينهما، وزار ياسينا من أجل إقناعه بالمشاركة في دورة الصحوة الإسلامية، وعقد في بيته أكبر لقاء جمع الدعاة في المغرب وخارجه، وكادت أن تعلن الجبهة الإسلامية في المغرب من بيته لولا أنها أجهضت في يومها.

أستاذ علي هل يمكن أن تحدثنا عن بداياتك الأولى؟

ولدت بتاريخ المسلمين سنة 1362 وسنة 1943 بتاريخ النصارى، من أب يدعى مولاي أحمد الريسوني رحمه الله ومن أم تسمى الزهرة بنت الوزير القاضي العلامة مولاي الصادق الريسوني، نشأت في هذه الدار(يشير إلى دار الزاوية الريسونية بشفشاون) أدخلت الكتاب وأنا صغير، وحفظت ما تيسر من القرآن الكريم، وفي سنة 1950 نقلني والدي إلى المدرسة الابتدائية الوحيدة التي كانت هنا بشفشاون، فبقيت هناك إلى سنة ,1956 ثم بعد ذلك التحقت بالقسم الثانوي.

وكيف بدأت علاقتك بالتدين؟

بدأت علاقتي بالتدين في هذه الدار، فوالدي رحمه الله كان سلفيا، وقد سبق أن استضاف في أوائل الأربعينات الشيخ محمد تقي الدين الهلالي، وأقر بذلك الدكتور الهلالي في كتابه الدعوة إلى الله في فقرات مختلفة، وبسبب حماية الوالد للدكتور الهلالي رحمه الله، فقد بقي في مدينة الشاون في هذه الدار لمدة سنتين في أواسط الأربعينات وامتحن بالسجن، وسكن بدارنا التي هي في ”وطاء الحمام” لمدة ستة أشهر، وسعى له الوالد في الزواج، وقد تأثر والدي بدعوة هذا الرجل السلفي، كما استضاف الوالد رجلا كان في الأزهر الشريف لمدة خمسة وعشرين سنة، هو الشيخ محمد عياد الشهير بالخمسي، وكان الوالد آنذاك ناظرا على الأوقاف في زمان عبد الخالق الطريس الذي كان متوليا لإدارة الأوقاف العامة في الحكومة الخريفية في تطوان . نشأت في هذا البيئة، فوجدت الوالد رجلا متدينا محافظا على دينه، والدليل على ذلك أنه بعث ولديه مصطفى والأمين إلى تازروت لدراسة العلوم الشرعية، وبعث ولده المصطفى إلى فاس وكان يبكي عندما يعود أخي الأكبر المصطفى من دراسته للعلم الشرعي بالقرويين وكان أمله أن يكون أولاده متدينين ذوي تكوين ديني إسلامي شرعي فقهي وأن يعيدوا للدين مكانته واعتباره.

وفي المدرسة الابتدائية وجدت شيخا صالحا اسمه المرحوم الفقيه بودياب كنت أشبهه بالشيخ محمد عبده رحمه الله، كان له وجه مستنير، وقد حفظت عنه ما تيسر من القرٍآن الكريم، وحفظت القرآن أيضا على رجل آخر في تلك المدرسة هو شيخنا الورع الحاج عبد السلام المعتمد على الله، أما في الكتاب الذي درست فيه القرآن الكريم قبل أن التحق بالمدرسة الابتدائية، فقد كان يدرسنا فيه رجل حافظ للقرآن متمكن فيه، تخرج على يده المئات من حفظة القرآن الكريم هو شيخنا المجاهد أحمد بن سعيد الخمسي، وبالإضافة إلى هؤلاء، تأثرت بالكثير من أساتذتنا الذين كانوا يدرسوننا بالمدرسة الابتدائية، ممن كان لهم عطف على الدين واستجابة له كالفنان الشهير أحد نبغاء وعباقرة مدينة الشاون الفقيه محمد الورياشي، لم أدرس عنده مباشرة، ولكنه كان يزورنا وكنا نتأثر به في جملة من أساتذتنا الفقهاء، وكان ذلك في الخمسينات.

وكيف انبثق وعيك السياسي؟

في سنة 1953 بدأ وعيي السياسي ينبثق، لما نفت الحكومة الفرنسية محمد بن يوسف المعروف بمحمد الخامس في 20 غشت، وفي هذا اليوم ولدت ولادة سياسية، في ذلك اليوم بالضبط، لما أقصي محمد الخامس عن العرش ولدت ولادتي السياسية، وقد سبق لوالدي في أوائل الثلاثينات أن كان رئيسا للكتلة الوطنية في مدينة شفشاون بعد أن كان له نصيب في الجهاد المسلح ضد العدو الاستعمار، وكان والدي رحمه الله رأسا في السياسة ولوعا بها، وكان بيته لا يخلو من الصحف والجرائد، وكان أول من اقتنى المذياع عندما أدخل إلى المدينة بعد احتلال الإسبانيول مدينة شفشاون، وفي سنة 1953 تعرفت وأنا صغير على ”صوت العرب” و”صوت لندن” وإذاعة طنجة الدولية وإذاعة أخرى كانت تذاع من طنجة ، وبالإضافة إلى ”راديو درسة” تطوان الذي ظل وفيا لمحمد الخامس، وبالنسبة للصحف، كانت هناك صحيفة تصلنا إلى تطوان تدعى صحيفة ”الأمة”، يصدرها حزب سمى نفسه حزب الإصلاح الوطني، وكان هناك حزب آخر أقبر في مهده كان يسمى حزب الإصلاح الديني، كان يريد بعثه وإحيائه رجل يدعي عرفة الحراق شريف، رأس زاوية الحراق، وكنا نتابع جريدة جريدة الأمة وجريدة ”المعرفة” التي كان يصدرها محمد العربي الخطابي الذي لا زال على قيد الحياة وكان وزيرا سابقا للأنباء، وكان يعاضده ويعينه رجل صديق لنا اسمه أحمد حسن المصمودي رجل مقبول وظف في وزارة الثقافة، وكانت هناك جريدة ”النهار” وكانت تصلنا وكنت أقرأها وألتهمها كل يوم يصدرها رجل ثري يدعى محمد بولعيش بيصة، نصفها كان يطبع باللغة العربية ونصفها الآخر يكتب باللغة القشتالية، وكانت محايدة لا تدعم الاستعمار ولا تعانده، ثم ظهرت في تطوان جريدة تدعى ”المغرب الحر” كان الإصلاحيون يتهكمون عليها ويقولون عنها ”النعناع الحر” وأسس هذه الجريدة حزب المغرب الحر في تطوان وكان له أتباع شفشاون، أصدر هذه الجريدة ناس من الريف منهم الشيخ زريوح، وكانت هناك جريدة أسبوعية تعنى بالرياضة اسمها جريدة ”الرابطة” وهي أول جريدة في المغرب تعنى بالشؤون الرياضية تصدر بتطوان وكانت تصل إلى الشاون وكان يصدر هذه الجريدة خال أبي المرحوم بركة بن المنتصر الريسوني، وقد صدر منها حوالي 115 عددا، ولم تكن تصلنا الجرائد من الجنوب، وكانت تصلنا من طنجة جريدة صدرت في هذه المرحلة أو بعدها بقليل أصدرها الشيخ محمد المكي الناصري وكان يحبنا ونحبه وكانت له علاقة طيبة مع والدي رحمه الله وكان بيننا وبينه تواصل. في هذا الجو تربيت، وكان لوالدي ناد يومي يعقده في بيته بعد العشاء لمدارسة أحوال المغرب وأحوال الشمال بصفة خاصة، وكان المغرب حينها يعيش مخاضا وتحولا كبيرا، والشعب المغربي استفاق ورفض أن يعيش في عهد الحجر كما كان يسميه محمد بن يوسف رحمه الله، كانت هناك انتفاضة شعبية وكان الرصاص يلعلع، وكانت الصحف في تطوان تتحدث وتنتقد وتهيج الشعب المغربي، وفي هذه المرحلة أيضا ظهر جيش التحرير وبرز الفدائيون، وظهروا في تطوان وشفشاون، وكنا نتابع الأخبار عن كثب، وكانت الجبال قد تحركت والكل أصبح يطالب بالاستقلال، وظهر ما يمسى بالوعي الوطني الحديث وكنا أول من شرب هذا المعين.

لعلكم تابعتم وعايشتم كيف تحول الوعي الديني إلى وعي وطني، هل يمكن لكم أن تشرحوا لنا ملابسات هذا التحول؟

لم يكن الهم الوطني والقومي منفصلا عن العمود الفقري الذي هو الإسلام، فالبيئة الأولى كانت دينية، والجو كان كله إسلاميا في المدينة والأسرة والشارع. وأتذكر أنه لما كنا في الثانوي جاءنا أستاذ يدعي عبد السلام الهراس، هذا الرجل قبل أن ينتقل إلى مصر كان بيننا وبينه علاقة ومواصلة، جاء عبد السلام الهراس بعد أن درس في القاهرة وعين أستاذا بمدينة الشاون سنة ,1957 وكان هناك رجل طيب اسمه عبد السلام بن حيون وكان رجلا مسلما من الصالحين، جاءنا عبد السلام الهراس يحمل معه تجربة مصر وتجربة لبنان وتجربة دمشق وتجربة الإخوان المسلمين وتجربة عباد الرحمان وتجربة القرويين، وأفكار مالك بن نبي والفكر الإصلاحي والحركة النهضوية بمصر والتطلع إلى الحركة الإصلاحية بالمشرق، أما عبد السلام بن حيون الرجل الحافظ للقرآن جاءنا حاملا على جمال عبد الناصر يتهكم على الناصرية والقومية، لكنه معجب بحركة الإخوان المسلمين، وكنا نتلقى دروسا منه وكان يغذيها بشذرات من كتاب كان يعجب به هو ”لماذا أنا مسلم” وكان يقرأ علينا فقرات من هذا الكتاب وكان هذا الكتاب يتردد على لسان أستاذنا عبد السلام بن حيون، وكان أول من فصل التلاميذ عن التلميذات، ولم يكن يسمح لنا حتى في الصور أن نختلط بالفتيات، وكان الحياء هو الغالب وكان الدين فينا فطرة، وكانت الفتيات عفيفات طاهرات ولم يكن السفور معروفا في وسط الفتيات. وقد ساهم الأستاذان الفاضلان بالإضافة إلى الأستاذ الأديب الشاعر عبد السلام الحضري المؤرخ من أرومة أندلسية وأصل أندلسي نبيل كل هؤلاء ربونا على الإسلام في جانبه العلمي وجانبه العلمي والتطبيقي. مضت الأمور وانتقلنا بالدراسة إلى العرائش، وكنا عبد المجيد الصغير وأنا نتعاون على إيقاظ روح التدين في الطلبة، وكنا في تطوان ننبه الطلبة وندعوهم إلى المحافظة على الصلاة في وقتها جماعة في المسجد، وكنا ننصحهم بالابتعاد عن الشبهات وإقامة الصفوف وقراءة ما تيسر في القرآن.

ومتى بدأت العمل الدعوي في مدينة الشاون؟

في سنة 1963 توظفت معلما ثم أستاذا، وفي نفس السنة بدأت الرحلة الوعظية الإرشادية، فمنذ سنة 1963 إلى اليوم والعبد الضعيف يعظ في مساجد المدينة وزواياها وإدارتها المختلفة باستمرار وبدون انقطاع. وفي هذه السنة طرد المغرب الأساتذة المصريين بسبب حرب الرمال والموقف الداعم للجزائر الذي اتخذته مصر ضد المغرب، ووقع خصاص في أساتذة الثانوي، فعينت أستاذا منتدبا بالثانوي، ثم رسمت هنا في المعهد الديني. وفي رمضان من سنة 1963 عينت لأول مرة واعظا رسميا بمدينة شفشاون، وبقيت مستمرا في الخطابة والوعظ والإرشاد وإلقاء الدروس والمحاضرات ما عدا سنة واحدة كان فيها المسمى سليمان الحداد عاملا على إقليم شفشاون، وكان للرجل حس شديد ضدا على الدعوة إلى الله، وكان لا يريد أن ندعو إلى الله مع الأجانب، وفي سنة واحدة منع علي هذا الرجل الدعوة إلى الله ومخاطبة الأجانب.

في أي سنة منعت من الدعوة إلى الله؟

هذا الرجل جاء إلى الشاون سنة 1983 وبقي إلى غاية أواخر الثمانينات، وقد منعت حوالي سنة ,1985 وكان رجلا يجسد إرادة إدريس البصري، وقد قال لي مرة بلسانه :”أبلغ صديقك الحاج البشير اليونسي (مرشد جماعة التبليغ بعد الحاج محمد الحمداوي رحمه الله) أنه إذا وصل إلى إقليم الشاون وأنا عامل فيه فسأقطع رجله” وقد حاربني بشتى المحاربات لو شئت أن أكتب عن كذلك لأصدرت كتابا مفردا، ولكن غفر الله له وقد سامحته في الدنيا والآخرة، حاربني أشد المحاربة، ومن جملة ما منعني منه، منعي من مخاطبة المسلمين في المساجد، وأغلق علينا كل المنافذ للاتصال بالمسلمين في الغرب، ومنعني من مخاطبة الأجانب الذين يفدون على المدينة. وقد بدأت رحلتي في الوعظ والإرشاد بجامع العقيل(مسجد أندلسي عتيق في أعلى مدينة شفشاون) وفي الآن ذاته، كنت أخطب خطبة الجمعة بالنيابة عن بعض الأئمة بالمسجد الأعظم وغيره من مساجد مدينة شفشاون.

كيف اهتديتم في العمل الإسلامي إلى فكرة إنشاء جمعية كإطار قانوني لممارسة العمل الإسلامي؟

في سنة 1965 وقع تحول كبير في مدينة شفشاون، وذلك حين أسسنا أول جمعية سميناها جمعية الشبيبة الإسلامية ووثائقها شاهدة على هذه التسمية، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بالجمعية التي ستنشأ من بعد والتي اختار لها مرشدها عبد الكريم مطيع اسم الشبيبة الإسلامية، بقيت هذه الجمعية تعمل في مدينة شفشاون محيطها وتفتحت على مدينة تطوان وطنجة والجنوب.

وما دواعي تأسيس هذه الجمعية؟

أسسناها ردا على اليسار الأعمى الذي كان قد تمكن من المدرسة والجامعة والمعهد، وكان يطعن في المقدسات والثوابت الدينية، هذا اليسار كان قد تغول تغولا شديدا وجاس خلال الديار وانتشر لهيبه، حتى صار من العيب أن يصلي الشاب، وإذا ما تجرأ أحد الشباب على إظهار دينه كادوا له وسخروا منه وتهكموا عليه، فجاء تأسيس جمعية الشبيبة الإسلامية كرد فعل مباشر بطريقة ذكية على اليسار، ولقد نجا الله شباب مدينة الشاون من موجة اليسار بفضل جمعيتنا وبفضل بعض الدعاة والعاملين جزاهم الله خيرا

من كان في هذه الجمعية؟

كان فيها محمد أصبان الذي يخطب بصاحب الجلالة محمد السادس، وكان بها نجل شيخ الإسلام محمد بوعياد الذي حدثكم عنه، وكان معنا حوالي ثلاثين نفرا رسميين كأعضاء في الجمعية وكنا منفتحين نتعاون مع كثير من الإخوة منهم عبد السلام الهراس وعبد القادر العافية، ويكفي أن أذكر أنني أتوفر على عشرين علبة من وثائق جمعية الشبيبة الإسلامية الشفشاونية وجمعية أنصار السنة وجمعية الدعوة الإسلامية، وكل علبة تحتوي على أربعين ملفا يضم أنشطة الجمعية موثقة بالصور والتقارير. وفي سنة 1969 تحولت جمعية الشبيبة إلى جمعية أنصار السنة.

ولماذا غيرتم اسم الجمعية؟

كان ذلك تأثرا بالدعوة الهلالية الثانية.

وماذا تقصدون بالدعوة الهلالية الثانية؟

تقي الدين الهلالي كان له تأثير كبير في المغرب، فكان قمة في علوم الشرع وعلوم العصر، وكان له إتقان كبير للغات بحيث لم يعهد في علماء المغرب مثل ثقافته، فلم يعهد في العلوي ولا الدكالي ولا المدني بلحسني أنهم أجادوا الكتابة والترجمة باللغة الأجنبية إلى أن أتى هذا الرجل، وهو الذي غير الشمال تغييرا كبيرا في السنتين اللتين أتى فيهما وكان يتردد بين شفشاون وتطوان إلى أن أدخل إلى السجن في شفشاون ثم خرج منه حوالي 1946 وذهب إلى حال سبيله إلى العراق، ولما جاء الاستقلال رجع تقي الدين الهلالي إلى المغرب بطلب من الملك محمد الخامس، وكان ممن توسط له الزواوي الشاعر الجزائري الأصل، فالدعوة الهلالية الأولى كانت في الشمال ما بين القصر الكبير والشاون مرورا بتطوان، وقد دامت هذه الدعوة ثلاث أو أربع سنوات تقريبا، أما الدعوة الهلالية الثانية، وهي التي قدم فيها تقي الدين الهلالي فارا بجلده من عبد القاسم الجبار العنيد الذي قام بانقلاب عسكري ضد الحاكم الشرعي فيصل بن غازي، فقدم إلى المغرب والتحق بالجامعة المغربية مدرسا بفاس، ثم في كلية الآداب واصطدم بالفيسلسوف لحبابي، وبدأ دعوته الثانية والتحقنا بهذه الدعوة في أواسط الستينات، ووجدت بينه وبين الأسرة الصديقية حربا عوان، فأطفاتها وأنا الذي أصلحت بينه وبين الشيخ الزمزمي والد عبد الباري.

كيف تم ذلك؟

قدم إلينا الشيخ تقي الدين الهلالي وجلس في الغرفة وهو مملوء غيظا على الأسرة الصديقية لدعوتهم إلى التصوف، جلس في هذه الغرفة ووجد عندي كتابا بعنوان:” شرح لا إله إلا الله” وكان ألفه الشيخ الزمزمي، وكان بيننا وبين الشيخ الزمزمي ألفة ومحبة وتعاون على نصرة الدين، فلما وجد تقي الدين الهلالي هذا الكتاب صار يقرأه أو ربما قرأته عليه ، وكنت كلما قرأت فقرة منه يقول لي :” زد، زد” واستحسنه، ثم قال لي من صاحب هذا الكتاب فقلت له:” إنه للشيخ الزمزمي” وكانت بينه وبين تقي الدين الهلالي حرب عوان ظهرت على صفحات الجرائد، فكانا لا يلتقيان، فالأول كان يقول بالتصوف والثاني كان يطرحه، فلما قرأ الهلالي الكتاب أعجب به، فقال لي :”أهذا هو الزمزمي؟” فقلت له :”نعم هذا هو الزمزمي قلب للتصوف ظهر المجن وطرحه وانقلب عليه وصار معدودا من علماء السلف” فقال لي: الآن قد انشرح صدري له” فشجعته وحثثته على التواصل معه، وربما أعطيته العنوان أو الهاتف فتكونت كتلة سلفية بين الشيخ الهلالي والشيخ الزمزمي، فكان الهلالي في مكناس قبل أن يتحول إلى البيضاء وكان الزمزمي في طنجة، فهذه هي الدعوة الثانية، واستمرت إلى أن فاضت روح الشيخ الهلالي، وقد تأثرنا بهذه الدعوة الهلالية الثانية أيما تأثر والرسائل التي كانت بيننا وبينه شاهدة على ذلك فكنت أستشيره في أمور كثيرة، فيكتب لي أجوبته وكان الهاتف ما بيني وبينه، وكنت أزوره ويزورني، وأحيانا نلتقي في غير مكناس وشفشاون، أو نكتب له فيجيب أو نهاتفه، أو نرسل له بعض الوفود أو يرسل لنا وفوده، وهو الذي عرفنا بصديق نزل عنده هو الشيخ أبو بكر جابر الجزائري. وبتأثرنا بالشيخ الهلالي وبالكتابات التي قرأناها وما أكثرها قلبنا اسم جمعيتنا من الشبيبة الإسلامية إلى جمعية أنصار السنة المحمدية، وكان الرجل متشبعا بطريقة عبد الرحمان الوكيل وهو رئيس جمعية أنصار السنة النبوية بمصر، وكان يأتي إلينا رجل هضمه المؤرخون في الدعوة الإسلامية هو الشيخ مفتي زادة لا يكاد يذكر له اسم الآن، وكان متصلا مع جماعة الاعتصام الشهيرة بمصر، وهي جمعية شرعية كان لها نحو ألف فرع بالكنانة، كان هذا الرجل يتصل بهم ويلقي دروسا في الشاون ويلقي محاضرات وكان له شأن عظيم وامتلأت له سوف وسمعه ناس، وقد حملناه إلى تطوان وتزوج من بن قريش(تبعد عن تطوان ببضع كيلومترات) وصار يجول ويصول وأعطيت له فصاحة في اللسان، وقبولا لدى العامة، وكان يؤلف الكتب ويصححها عندنا، وكان هذا الرجل سلفيا محضا وكان ديدنه الحط على المستسلمين من المسلمين للتيار التغريبي الصهيوني، فلم يكن يترك مناسبة إلا وحط على الصهاينة وسل سيف الإنكار على الحكام المتخاذلين. ثم قدم إلينا بعده الشيخ محمود الصواف، وصارت الوفود تأتي من المشرق ونجتمع بهم ونتأثر بهم، فأصبحت جمعيتنا سلفية، وكنا نرى وقتها أن السنة في غروب، وأن علماءنا التقليديين لم يوفوها حقها، وأن الفقه الجامد غير المستند إلى دليل من السنة غلب على هؤلاء الفقهاء، ولذلك قمنا بتغيير اسم الجمعية تأثرا منا بالسنة وقياما منا ضد البدعة، وكان للبدعة سوق ضخم وروجان كبير، فكان المغاربة في بحر البدعة يسبحون، فأردنا أن نحارب هذه البدعة فآتت هذه الدعوة أكلها، وأذكر أني وصديق لي اسمه الأمين البقالي وهو الآن في السويد، وكان معنا في الجمعية، ذهبنا إلى شجرة ذات أنواط، وذهبنا لنقطع هذه الشجرة، فلم نستطع اقتلاعها من الجذور، ولكنا وفقنا في تقليم أغصانها وفروعها لأن العامة كانوا يأتون إليها ويعلقون عليها الخرق ويعتقدون فيها معتقدات خرافية وبدعية، كما ذهبنا إلى صخرة أخرى في سيدي عبد حميد يذبح عليها الناس الديكة والدجاج وقمنا باقتلاعها. فكان دور جمعيتنا في صيغتها الجديدة وهو محاربة البدع وتطهير العبادات مما يشوبها من الانحرافات التي تزكيها بعض الطوائف الصوفية التي يغلب على ورادها البساطة والجهل، فكانت مرحلة ما بين 1965 و1969 مرحلة بعث إسلامي، فكنا من أوائل من انخرط في العمل الجمعوي لممارسة عملية البعث الإسلامي ولم يسبقنا إلا الدكتور إسماعيل الخطيب الذي أسس جمعيته قبلنا بسنة، لكن سبقناه حين جعلنا من اهتمامات جمعيتنا المجال الاجتماعي والمجال الرياضي، فلم نكن جمعية تعنى فقط بقضايا التعبد والدعوة الإسلامية، بل إننا أدخلنا العمل المدرسي والاجتماعي والرياضي وفتحنا الباب للرحلات المدرسية فكان لنا إشعاع كبير في المدينة حتى تضاءلت عمل التنظيمات الحزبية والمدنية الأخرى أمام ما نقوم به من أنشطة. وكان لنا نفوذ كبير خاصة في الجامع الكبير، وقد صارت الشاون كلها ناصرة للسنة بفضل جهود جمعيتنا، فلم يعد الناس يلقون التحية إلا بالسلام الشرعي، وصاروا يلتزمون السنة في صفة الصلاة وطريقة زيارة المقابر وطريقة إقامة الأفراح. وهذا يدل على النجاح الذي حققته جمعية أنصار السنة.

ولكنكم غيرتم اسمها إلى جمعية الدعوة الإسلامية، فما هي دواعي تغيير الاسم؟

في سنة ,1972 اجتمعنا في لقاء كبير بدار الشباب حضره جمع غفير، وكان المؤسسون حوالي أربعين نفرا، وهؤلاء هم الذين حولوا اسم الجمعية إلى جمعية الدعوة الإسلامية، على أساس أن تكون هذه الجمعية أوسع أفقا وأرحب صدرا وأنفذ للنفوس وأوسع للرقعة الجغرافية وأعلى بالنسبة للتخاطب فانفتحنا على الدكتور المهدي بن عبود والدكتور العرقسوسي، وإدريس الكتاني والحاج معنينو وعبد الله كنون، وصرنا نستضيف فعاليات من وزن ثقيل، فكانت الجمعية محلية ذات بعد وطني، لكنها ستتحول منذ سنة 1978 إلى جمعية محلية ذات بعد أندلسي، لأنه في سنة 1978 مات الجنرال فرانكو، إذ بعد موته وبعد الإعلان عن دستور جديد، وبعد الإعلان عن حرية الأديان، بدأ المخنوقون المضطهدون من المسلمين واليهود وغيرهم يعلنون عن أنفسهم ويكشفون عن وجودهم، فكانت أول مجموعة من المسلمين الإسبان زارت المغرب أتت إلى مدينة شفشاون، ولذلك تحول مسار جمعيتنا مع سنة 1978 من الدعوة إلى الله في المغرب إلى الدعوة إلى الله في الأندلس، وقلنا حينها إن الدعاة إلى الله في المغرب كثيرون وكل منهم يقوم بجهده المستطاع، لكن ناسا جديدين ظهروا بالأندلس يدينون بالإسلام وكانوا قد عاشوا خمسة قرون من الإرهاب والاضطهاد والقمع الممنهج العسكري ، فقلنا إن هذه الجمعية المسماة الدعوة إلى الله بشفشاون ينبغي أن تخصص أكبر جهد لها في احتضان أولئك المسلمين الجدد في الأندلس والأخذ بيدهم وتكثير جماعتهم وسوادهم، فمنذ سنة 1978 والجهد الأكبر لجمعيتنا ينصب على ترسيخ الإسلام في الأندلس بشتى الطرق فإما نحن نزورهم هناك، وإما أنهم يزوروننا هنا، وإما عبر الانترنت أو المحاضرات والكتب والمنشورات، فصرنا منخرطين في هذا العمل ونعتقد أن الكفاية في الدعوة إلى الله حاصلة بوجودنا أو بعدم وجودنا، لكن فرض العين علينا كمغاربة بالنسبة للأندلس تعين علينا كجماعة لأننا لم نلحظ أي جماعة خصصت الجهد كله أو جله للواجب الدعوي من المغرب اتجاه الأندلس، ولولا هذه الجماعة في شفشاون لما قام المغرب بما ينبغي أن يقوم به اتجاه الأندلس ما عدا الجهود الرسمية التي في الغالب ما تكون محتشمة وباردة وباهتة لا تعطي أكلها ولا يمكن أن تفرح منها العين ولا يستجاب إليها في الأندلس.

لفت انتباهي في حديثكم عن مسار الدعوي لحركتكم التركيز على التاريخ، لماذا بالضبط الاعتماد على التاريخ؟

كل دعوة إسلامية لا تستفيد من الماضي فهي حركة فاشلة، فالحركات الإسلامية إن لم تستفد من الأمس الغابر فالدعوة بالنسبة إليها ستواجه عراقيل ولن تنجح بالقدر الذي ستنجح به لو استعملت المنهج التاريخي. فالتاريخ فيه نص وفيه تأويل، والحمد لله النص لا يستطيع الملاحدة السطو عليه، لكنهم يستطيعون تحريفه من خلال التأويل، وأعداء الإسلام في المغرب يؤلمهم وجود الإسلام ولا يرضيهم ولا يطمئنون إليه لأنهم يجدون في هذا الإسلام عائقا بينهم وبين وصولهم إلى مصالحهم وشهواتهم، والإسلام أداة فعالة في قمع الظالم عن ظلمه وصد المعتدي والمجرم عن اعتدائه وإجرامه، وأنا أتحدث عن الإسلام الصحيح وليس الإسلام المروض، فهذا الإسلام يمنع الفساد والإفساد، والإفساد يقع في الأرض لأن المفسد لا يجد من يردعه ولكي يتم ردع المفسد ينبغي للصالح المصلح أن يقوم بهذه المهمة، ولكي يقوم بهذه المهمة فلا غنى له عن استعمال الأداة التاريخية باعتبار أنها زجرية وأنها نماذج واقعية، والدعوة الإسلامية ورموز الدعوة إلى الله إن لم يقوموا باستخدام الأداة التاريخية والاستفادة من الوقائع التاريخية وتوظيفها لتبيين الحقائق لأهل الوقت فإنهم يخونون الأمانة. فالقرآن كتاب دعوة لم يغفل التاريخ، والسنة للهداية والبيان لم تغفل الحديث عن وقائع التاريخ والإفادة منها. وعلماء المسلمين الكبار لم يغفلوا التاريخ لأن التاريخ هوأهم واعظ وأهم دليل في الطريق. والحركة الإسلامية في أمس الحاجة إلى فقه الواقع ومعرفة تطورات التاريخ وما يجري في المعادلة الوطنية والإقليمية والدولية وعلاقة الخارج بالداخل وتحولات العولمة وحدود الفعل الداخلي وهوامش المبادرة في ظل التحكم الدولي، وهذا في الحقيقة لا يتأتى إلا بالثقافة التاريخية الواسعة.

من أين أتيت بهذه الثقافة التاريخية؟

من الدي رحمه الله. لقد قلت لك إنني ولدت ولادة سياسية منذ سنة ,1953 واكتسب الثقافة التاريخية في هذا البيت ومن خلال تتبع الصحف والوقائع، ولقد كتبت من الأوراق والمذكرات المئات، وكنت مولعا بالتقييد، وكنت أزور الطاعنين في السن ممن وصلوا سن المائة أو يزيد وأسألهم عن الوقائع التي عاشوها خلال عمرهم وأسجل ذلك وأدونه في أوراق، فكنت ولوعا بالقلم والقرطاس، فثقافتي التاريخية تعتمد على شيئين : السماع والبحث عن الوثيقة التاريخية، وقد وجدت أبي يتوفر على مكتبة وكان والدي رحمه الله نقيبا للأشراف الريسونيين، وكان أبوه ولوعا بالتاريخ، وكان لوالدي مكتبة بها وثائق تاريخية مهمة، وقد اطلعت على المكتبة ووجدت أن تاريخ الشاون قد ضاع، فحملت على عاتقي أن أجمع تاريخ الشاون وأن أعيد لمؤسسة الأشراف اعتبارها بعدما اختلط الشريف بالمتشرف، فاهتمامي بالتاريخ جاء من باب الاهتمام بمسألة الشرف ومؤسسة الأشراف، كما جاء أيضا من باب اهتمامي بالأندلس والمهام الدعوية التي اضطلعت بها جمعية الدعوة بعد تحول مسارها الدعوي عام .1978

كان لكم دور كبير في جمع الدعاة ومحاولة توحيد صفوفهم هل يمكن لكن أن تطلعوا متتبعي الكسب الحركي الإسلامي عن جهودكم في هذا المجال؟

كان ديدنا منذ البداية هو جمع كلمة المسلمين وترميم صفوفهم، وكنا نتطلع إلى جمع حركتهم في كتلة تاريخية إسلامية، وقد استطعنا سنة 1979 تنظيم الملتقى الأول للدعاة في مدينة شفشاون، وقد حضره عبد الله كنون، ومحمد الصمدي، والدكتور تقي الدين الهلالي ومحمد الحداوي مرشد جماعة التبليغ ومحسن العبادي من السعودية ومولاي مصطفى العلوي رحمه الله، وحضر عبد الفتاح مورو من حركة النهضة وحضر عرفات سالم العشي من الكويت وغيرهم كثير من الدعاة لا أتذكرهم الآن..

وكيف كانت علاقتك بالسلطة؟

كانت السلطة لا تقوى بالسماح للعمل الدعوي إلا في هامش ضيق، الشيء الذي جعلنا دائما في محل اتهام وملاحقات وتهديدات إلى درجة أن أحد العمال على الإقليم قال لي:” سأخضعك للإقامة الجبرية، ولن تغادر دارك” لكني بقيت أمارس أنشطتي الدعوية والوعظية من سنة 1963 إلى اليوم ما عدا ما كان من منع لحقني سنة 1985 من طرف سليمان الحداد عامل الإقليم في تلك الفترة، وكان شديد الحقد على الدعوة الإسلامية ونشطائها. وحدث أن حقق معي رجال الأمن لما زرت عبد السلام ياسين في بيته، إذ كنت مستدعى من طرف وزارة الأوقاف لحضور دورة الصحوة الإسلامية، وقد رأيت أن أزور الأستاذ عبد السلام ياسين في بيته، فجلست إليه ساعتين ولما خرجت من عنده تم اعتقالي وحققوا معي قرابة أربعة ساعات، ثم أفرجوا عني.

ولماذا زرته؟ وماذا كان موضوع اللقاء؟

لم يدعني أحد إلى أن أتصل به، ولكني دعوته من تلقاء نفسي إلى المشاركة في دورة الصحوة الإسلامية، وكنت أرى في الصحوة الإسلامية فرصة للقاء الأدمغة في مجال الدعوة إلى الله، فماذا يضيرنا لو حضر النحناح وحضر عبد السلام ياسين، وكنت قد كلمت محفوظ النحناح هاتفيا واستجاب لي، وكلمت عباس مدني واعتذر لأنه كان يقوم بمهمة إصلاح ذات البين بالعراق، وقال لي في الهاتف أنه التقى بالملك الحسن الثاني، وأخبرني أنه أجرى معه محادثة طيبة ووجد عنده تجاوبا كبيرا، فقلت له إن الإخوان في المغرب يحبون أن تكون معهم في ملتقى رسمي حول الصحوة الإسلامية تنظمه وزارة الأوقاف، وفي هذا السياق زرت عبد السلام ياسين، فعرضت عليه المشاركة في الصحوة، وكان سبق لعبد القادر العافية أن زار عبد السلام ياسين بإشارة من وزارة الأوقاف ليقنعه بالدخول إلى حظيرة العلماء والدعاة ففشل في مهمته، وقد زرت ياسين لمحبتي له، وليست بيني وبينه علاقة سياسية بل علاقة دينية، فعرضت عليه أن يشارك في الصحوة الإسلامية وأن يجتمع مع إخوانه ويعلن عن أفكاره ومبادئه وأن يظهر نفسه ويتعاون مع غيره من الدعاة على الخير والإحسان ما دام الملك قد فتح لنا هذه الفرصة فلا ينبغي أن نضيعها، لكنه رفض ذلك.

وكيف كان تبريره لموقفه؟

قال لي إن الدولة لها خط خاص بها ، ولي خط خاص بي، ولا يمكن أن يلتقي خطي مع خط الدولة، فقلت له إنه من المصلحة الشرعية المعتبرة أن تشارك معنا في هذا المؤتمر ، بل وصل بي الحماس إلى درجة أنني حثثته وقلت له إن السيارة معنا الآن فتعال واذهب معنا، فإن وزارة الأوقاف سترحب بك.

ربما فهم أنك مبعوث من طرف وزارة الأوقاف؟

لا. هو يعرف أني غير مبعوث من طرف وزارة الأوقاف، والدليل على ذلك أني اعتقلت بعد خروجي من بيته، إذ لو كنت أؤدي وظيفة رسمية لمنا اعتقلت.

كيف بدأت علاقتك بالأستاذ عبد السلام ياسين؟

الأستاذ عبد السلام ياسين زار مدينة شفشاون قبل أن ينشئ جماعته ويحولها إلى حركة سياسية، اجتمعت به سنة 1971أو ,1972 كان له صديق مفتش بالتعليم بمدينة شفشاون اسمه محمد الحضري، فعرض عليه أن يستضيفه في بيته، فقدم إلى المدينة، وقد زارنا في بيتنا ووجدت فيه الفضل والخير والروحانية، ووحدت فيه الرجل الذي يرد أن يعمل شيئا لصالح الإسلام فامتدت المذاكرة بيني وبينه، وقد أضغى إلي وأصغيت إليه، وحدثني عن التصوف ولا زلت أذكر أنني قلت له :” نحن لا ننكر التصوف لأننا من أبنائه، لكن أي تصوف نعني؟ هل نعني تصوف النبي صلى الله عليه وسلم وصحاتبه؟ أم التصوف البدعي والتصوف الفلسفي؟” فكان هذا هو وجه الخلاف بيني وبينه، وبقيت المودة بيني وبينه، ولم يدعني قط إلى الدخول لجماعته لأنه يعرف استقلاليتي وأني لا يمكن أن أنخرط في جمعيته.

وما قصتك مع محفوظ النحناح؟

التقيته في المغرب على هامش مؤتمر الصحوة الإسلامية ثلاث مرات، وقد جلست إليه في فندق ”روايال” وكان لي معه حديث طويل، وكان مما قلته له، هل تقر بأن موقف المغرب عادل في قضية الصحراء؟ فقال لي : نعم، بل ربما قال لي إنه سجن بسبب موقفه الداعم للمغرب، فقلت له ولماذا لا تقوم بجلب الإسلاميين الموجودين في خندق البوليساريو إلى حركتك وتقنعهم بموقفكم الداعم للمغرب” فقال لي لا أستطيع أن أفعل ذلك، ولكني أستطيع أن أهيئ لكم الأجواء لتقدموا أنت ومجموعة من الإخوان من المغرب لتناقشوا معهم وتقنعوهم بوجهة نظركم.

وكيف سعيت لوساطة بينه وبين الأستاذ عبد الإله بن كيران؟

زرته من أجل الإصلاح ما بينه وبين الأستاذ عبد الإله بن كيران، وكان بينهما شنآن، فاقترحت على الأستاذ بن كيران أن أتوسط بينهما فقبل بن كيران وساطتي فقمت بزيارة عبد السلام ياسين، فقلت له :” يا رجل ليس من مصلحة الإسلام أن تنأى عن التعاون مع جماعة من الشباب يعملون من أجل الدعوة”

وماذا كان رده؟

كان جوابه الرفض، وقال لي:” تلك الجماعة تتصل برجل شرطي اسمه الخلطي، وأنا لا أسمح أن أضع يدي مع من يتصل بهذا الرجل (الخلطي)” فقال الأستاذ عبد السلام ياسين إن بعض أفراد هذه الجماعة على صلة بأجهزة الشرطة أو الاستخبارات وسمى لي رجلا يسمى الخلطي وقال لي إن بعضهم يتصل بهذا الرجل، وأن الخلطي في قسم الاستعلامات، ولا اتصال مع من يتصل بأجهزة الدولة الأمنية.

وما هي قصة الجبهة الإسلامية في المغرب؟

في 11 يناير 1992 في هذا المنزل قمنا بجمع ممثلي الحركات الإسلامية أذكر من الدار البيضاء المرحوم محمد لحلو صاحب جريدة اقتصادنا واسماعيل الخطيب من تطوان وأستاذ الدكتور محمد الحبيب التجكاني، وحضر معنا التيار السلفي وغيرهم من الشخصيات الممثلة للتيار الإسلامي في المغرب. وقد اخترنا هذا الموعد نظرا لرمزيته.

وماذا كان الهدف من الاجتماع؟

كان الهدف هو إعلان جبهة إسلامية في المغرب تشارك في الانتخابات التشريعية وتدخل البرلمان.

وهل اتفقتم؟

نعم اتفقنا على الخطوط العريضة أننا في مارس نشارك في احتفال عيد العرش على أساس أن نقوم بجمع عام كبير للإعلان عن هذه الجبهة التي ستضم التيار السلفي وجماعة التبليغ والعلماء التقليدين والجماعات ذات المنحى الإخواني، وأن هذه الجبهة بعد أن تتكتل وتحظى بالاعتراف تخوض غمار المنافسة الانتخابية.

وهل وافقت جماعة التبليغ؟

نعم وافقت، لكن لدي شك هل حضرت جماعة العدل والإحسان أم تخلفت عن هذا اللقاء. وكنا في غاية الحماس لفكرة جمع الحركات الإسلامية في جبهة، لأننا كنا ننظر إلى التجربة الجزائرية أمامنا.

ولماذا لم تنجح هذه التجربة؟

تناولنا وجبة الغداء، وبدأنا نستمع للأخبار في المذياع، وسمعنا في التاسعة ليلا عن إجهاض التجربة الديمقراطية في الجزائر، فقلت للإخوان:” سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين” وتبخر الحلم، وانفض الجمع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد