بسم الله الرحمن الرحيم. معرفتي المتواضعة بالمرحوم قاسم الدكالي، تتلخص فيما سمعته وما قرأته. سمعت عنه الشيء الكثير، وقرأت عنه أيضا أشياء كثيرة. فمن الأشياء التي سمعتها عنه، ما يتعلق بأول رحلة نظمت من شمال المغرب إلى القاهرة، إلى مصر، لبعثة علمية بعثها الشريف الريسوني مولاي أحمد رحمة الله عليه، لطلب العلم في الأزهر الشريف. هذه البعثة خرجت من طنجة في حوالي 1922، أو شيء من هذا القبيل. ورجعت بعد حوالي ثلاث سنين أو أربع سنين. هذه البعثة التي ذهبت لدراسة العلم، بطبيعة الحال، سبقت بعثة الشيخ المكي الناصري. وسبقت بعثة المعهد الحر في أيام الحزبين الوحدة وحزب الإصلاح الوطني بتطوان. لأن هذه البعثة كانت في العشرينات. فالمرحوم قاسم الدكالي هو سهل المأمورية لحجز التذاكر وإعداد المركب والاتفاق على السفر. هو الذي دبر مسألة سفر البعثة العلمية الشرعية لثلاثة طلاب، والطلاب المذكورون هم:
– المرحوم محيي الدين الريسوني الذي كان في طنجة، والذي كان له علاقة مع شكيب أرسلان، والذي يعد من الوطنيين الأوائل في مدينة طنجة.
– الشخص الثاني المرحوم الحاج محمد الخضر الريسوني، الذي سنرى ولده الحاج محمد يكتب كتابا عن ذكرياته في الإذاعة والتلفزة المغربية. الحاج محمد الخضر هو زوج أختي. رجع مكونا تكوينا عاليا من الأزهر الشريف.
– الطالب الثالث الذي ذهب هو الشريف مارصو.
هؤلاء الثلاثة الفضل بعد الله عز وجل في ذهابهم في هذه البعثة يعود للمرسل الذي كان ينفق عليهم مولاي أحمد الريسوني، الذي انقطع مدده المادي لما مات في تماسيت 3 أبريل 1925. والفضل الثاني بعد الله تعالى يرجع إلى قاسم الدكالي الذي قام بالإجراءات الفنية والإدارية التجارية حتى سهل أمر هذه الرحلة. إذن هذه الرحلة علمية مباركة علينا إن نسجلها باعتبارها أول رحلة في العشرينات في حدود علمي لبعثة علمية من طلاب شمال المغرب ذهبوا لتلقي العلم الشريف في بلاد الكنانة.
الشيء الثاني الذي سمعته وقرأت عنه كثيرا هو أنه كان يقوم بمهمة الترجمة للصحف الأجنبية الصادرة في إسبانيا، والتي كانت تصل إلى مدينة طنجة. وكانت هذه الصحف تتناول الأحداث المغربية، من هذه الصحف Blanco y negro أي الأبيض والأسود وكذلك Hiraldo de Madrid أي نبيل مدريد وكذلكLa Vanguardia ، وكذلك ABC التي ما زالت صادرة إلى الآن. فكان الشريف الريسوني، رحمه الله يطلع على هذه الجرائد بترجمة أمينة من طرف قاسم الدكالي، وبناءا على اطلاعه على محتوى المقالات المتعلقة بالمغرب والمسألة المغربية، وما يروج من هذه الدوائر الحكومية الإسبانية في مدريد ولدى الإقامة العامة بمدينة تطوان كان الشريف الريسوني يتخذ ما يراه مناسبا من الإجراءات والتدابير. سواء السياسية والدبلوماسية أو العسكرية والحربية. فقاسم الدكالي إذن، كان يقوم بهذه المهمة وحدثني من محمد بن عبد الحكيم، أكثر من مرة عن هذا الموضوع، قائلا: إن المقيم العام الإسباني في تطوان كان يتأخر عن معرفة ما في تلك الجرائد، لأن البريد كان أسرع إلى طنجة منه إلى تطوان. وبطبيعة الحال كانت هذه الجرائد يكتب فيها الترجمة وتبعث إلى الشريف الريسوني.
هذه هي المسألة الثانية، ثم بالإضافة إلى الترجمة قام بأدوار في خدمة الجهاد الوطني بالنسبة لمولاي أحمد الريسوني. ولا شك أن له ادوار أخرى بالنسبة لبعض المرموقين من رجال السياسة آنذاك. العلاقة التي كانت تربطه بلا شك بالسلطان مولاي عبد الحفيظ رحمه الله. وبالوزير الأول المنبهي رحمه الله. وبغيره من رجالات ذلك العهد، حيث إن طنجة كانت مقصدا للمرموقين من أهل التدبير، من أهل أولي الأمر في المغرب. كالسلطان المذكور وقبله السلطان مولاي عبد العزيز رحمه الله. وكان كثير من الشخصيات الصليبية يأوون إلى طنجة، وبحكم أن الرجل كانت له معرفة باللسان العجمي، والنخبة السياسية المغربية كانت تفتقد للسان العجمي، فكان هذا الرجل يؤدي خدمات كبيرة حيث كان يعرب ما تكتبه الصحافة الأجنبية لؤلئك الرجال. أما المصادر التي يمكن أن نعرف من خلالها ترجمة المرحوم قاسم الدكالي، أو بعض الوثائق المتعلقة به فيمكن بإيجاز أن أذكر الأشياء الآتية:
– أولا عندنا مجموعة من الوثائق الكاملة في المكتبة الوطنية الإسبانية بمدريد، هذه المجموعة تصل إلى حوالي 5000 وثيقة أو أكثر. أهديت لي هذه الجرائد في أشرطة ميكرو فيلم سنة 1994 أو 1995. أهداها لي رئيس جامعة قاديس في حفل كبير أقيم على شرف العبد الضعيف. قدم لي هذه الأشرطة ميكرو فيلم في حفل نظمته جامعة قاديس، بعد أن توصلت هذه الجامعة بتلك الأشرطة من قسم إفريقيا في المكتبة الوطنية الإسبانية. وكنت قد قمت بإجراء اتصالات مع سيدة إسبانية تعمل في قسم إفريقيا في تلك المكتبة فحصلنا على هذه الوثائق. ولكن مع الأسف لم نخرج هذه الوثائق والمستندات على الورق إلا في مجلدين اثنين. مع العلم أنها عشر أشرطة معنى هذا، أنه بقي علينا أن نخرج ثمان مجموعات. مجموعة من ميكروفيلم أي من شريط ميكروفيلم، هذه المجموعة لغارسيا فغيراسيو. غارسيا فغيراسيو هو الوحيد الذي قابل هتلر في هنداي في الحدود الاسبانية الفرنسية مع جنرال فرانكو في الحرب العالمية الثانية. وكان أكبر إسباني عارف بالقضية المغربية. وكان رجلا ضليعا لأنه دخل إلى العرائش في 1923. ولم يغادر المغرب إلا في 1956. وخلال هذه المدة الطويلة التي قضاها فيغيراسيو في المغرب، من 1923 إلى 1956، جمع الآلاف المؤلفة من الوثائق ومن المستندات ومن المخطوطات ومن قصاصات الصحف ومن الرسائل ومن التقارير السرية ومن الصور الفوتوغرافية ومن الخرائط. وكوّن لنفسه مكتبة عظيمة جدا. لما انتقل سنة 1956 إلى اسبانيا وعيّن رئيسا شرفيا مدى الحياة ببلدية خريس صار بعد ذلك يشتغل بتشديد كتابته عن القضية المغربية. بدأ بكتاب أخرجه في 1300 صفحة عنوان هذا الكتاب الريسوني أكبر شخصية في المغرب المعاصر باللغة الإسبانية “مولاي أحمد الريسوني أكبر شخصية في المغرب المعاصر” – – Moulay Ahmed Raysouni grand figura de Marueco contemporanio –
لا شك أن هذه المجموعة، التي تحت أيدينا، تحتوي على أشياء كثيرة لقاسم الدكالي، لأنه لم يركّز على الريسوني وحده ولكنّ ركّز على منطقة جبالة. ومعلوم أنه كان مغرما بمنطقة جبالة والعرائش وطنجة وأصيلة وتطوان. جلب في هذه المجموعات التي عنده من المستندات ما يشفي الغليل. فإن شاء الله سبحانه وتعالى علينا أن نبحث في هذه المستندات ونخرج المادّة المتعلقة بقاسم الدكالي.
المجموعة الأخرى التي عندنا، هي مجموعة الوثائق المحفوظة لحدّ الآن في المكتبة التي تسمى بالوثائق الملكية. المرحوم عبد الوهاب بلمنصور قبل أن ينتقل إلى الله كان صديقا لي وكان يزورني إلى هنا باستمرار وكان يجد راحته عندي. يأتي إلى فندق البرادور ثم يأخذني إلى منزله ونقضي ساعات طويلة وكنت أخرج معه… وكان بيني و بينه محبة أكيدة. من جملة ما أسفرت عنه هذه المحبة أنه جلب إليّ ذات مرة مجموعة كاملة للرسائل المتعلقة بالريسوني، لما كان حاكما في أصيلة وبعد أن انهار نظام الاستعمار، و بعد أن دخل الاستعمار جلب إلي هذه المجموعة من الوثائق الممهورة بطابع الوثائق الملكية.
إذا بحثنا في هذه الوثائق – و لا شك هي مرتبة حسب الأعوام- سنجد ربما كثيرا أو بعضا من الإشارات إلى المرحوم قاسم الدكالي، الذي لعب أدوارا كما لعبه علي أقلعي الذي وقع قتله في واد الحشف. و كما لعبه بن عبد الصادق وكما لعبه أيضا التازي، وكذلك الحاج محمد الطريس. تلك الشخصيات التي كانت آنذاك، والجباص لما عين بمدينة طنجة. هذه الشخصيات وكذلك مولاي الصادق الريسوني رحمة الله عليه، هذه الشخصيات كانت تلعب في المسرح السياسي المغربي في شمال غرب المغرب. هذه المجموعة قدمها إلي هذا الرجل عبد الوهاب المنصور رحمة الله عليه. عندي مجموعة كاملة للرسائل المتبادلة ما بين الشريف الريسوني وما بين أب الحركة الوطنية الحاج عبد السلام بنونة. حوالي سبعين رسالة. الحاج عبد السلام بنونة المذكور توفي في مدينة روندا في 1934 أو 1935م . ونقل جثمانه إلى تطوان.
في 1915-1916 كانت الحرب العالمية الأولى قد اشتعلت، وكان الريسوني اتخذ الهدنة مع الدولة الاسبانية ….. و كان له محلة كبيرة في الفندق. وكان الحاج عبد السلام بنونة رحمة الله عليه، يقوم بأدوار لمساعدة الشريف في تطوان …مجموعة الرسائل الموجودة عندنا وهي متوفرة، عندي مجموعة الوالد رحمة الله عليه. عندي مجموعة بن عزوز رحمة الله عليه، التي لم تطبع. أما ما طبع فهو معروف. عندي مجموعة الأستاذ بن عزوز، خاصة كتابه الأخير الشريف الريسوني وموقفه من الحماية… ومن الاستعمار الإسباني. هو عندي هنا كان يريد أن ينجزه لكن لم يتم طبعه. ثم عندي مجموعة كتب التي كنت أتحدث عنه ومن خلاله عن قاسم الدكالي. عندي هذه المجموعة، ومع الأسف الشديد كان هناك رجل أيضا من مدينة طنجة مازال حيا الداودي مازال حيا لكنه ضعيف….. الداودي هذا طنجاوي لكن أبوه كانت له جنسية إيطالية. هو حدثني بذلك، له أيضا مجموعة من الرسائل يوجد في تطوان ويسكن في بوعنان. كان باشا في العرائش في أصيلة، وكان خليفة العامل في مدينة تطوان، حدثني الداودي أن تحت يده رسائل، كذالك من جملة الرسائل المتعلقة بهذه الفترة، ما كان عند عامل شفشاون السابق الرشداني، كان صديقا لي وكان أبوه من جملة القواد الذين دفعهم السلطان مولاي حفيظ الشريف للريسوني، ليكونوا بجانبه في المهمة التي كان يقوم بها في معاكسة الإسبان. فحدثني الرشداني لا أدري هل مازال حيا أو أنه توفي أن تحت يده بعض المستندات وبعض الوثائق عن تلك الفترة. وهي وثائق غميسة لم يقع الاطلاع عليها لحد الساعة. كذلك من جملة الأشياء التي قمنا بها، لا شك أنكم رأيتموها، كتاب كان مكتوبا باللغة الإنجليزية طبع في 1924 للصحفية الكبيرة روسيطا، التي كانت فقط تقوم باستجواب كبار الشخصيات في العالم. فاستجوبت غاندي وربما استجوبت هتلر. ومع هذين الشخصيتين استجوبت الشريف الريسوني وبقيت معه مدّة في 1923. لما رجعت إلى بريطانيا نشرت الكتاب باللغة الانجليزية، وأخرج منه فيلم سينمائي. ولكن العبد الضعيف حرص على أن يتم ترجمة هذا الكتاب. فترجم هذا الكتاب إلى اللغة الإسبانية بطلب مني. وقام بنشره وزير إسباني سابق بمنطيل Pimentel . كان وزير الشغل الإسباني، ولما استقال احتجاجا على غزو العراق أنشأ دارا للنشر في إسبانيا. وهذه دار النشر هي التي أخرجت هذا الكتاب. يجب أن نعود إليه لاستخراج المادة المتعلقة بقاسم الدكالي. عندنا بعض الكتب الأخرى حول الريسوني وكذلك حول عبد الكريم الخطابي التي تتحدث عن هذا الموضوع.
شفشاون: 6 مارس 2012